معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي الأموي أبو عبد الرحمن
مولده
وُلد معاوية بن أبي سفيان قبل البعثة بخمس سنين، كان في عُمرة القضاء (في ذي القعدة سنة سبع للهجرة) مسلماً، وأظهر إسلامه عام الفتـح.
كان حليماً وقوراً، عاش عشرين سنة أميراً، وعشرين سنة خليفة للمسلمين.
إسلامه
اسلم هو وأبوه يوم فتح مكة وشهد حنينا وكان من المؤلفة قلوبهم ثم حسن إسلامه وكان أحد الكتاب لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم
روى له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة وثلاث وستون حديثا
روى عنه من الصحابة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو الدرداء وجرير البجلي والنعمان بن بشير وغيرهم
ومن التابعين ابن المسيب وحميد ابن عبد الرحمن وغيرهما وكان من الموصوفين بالدهاء والحلم
شاءت الأقدار أن يكون البيت الأموي عموماً في بداية الدعوة في جانب، والدعوة الإسلامية في جانب آخر، وأن يدْرج معاوية في هذه البيئة بعيداً عن الإسلام ورسوله.
ولكن الإسلام دخل قلب معاوية رضي الله عنه مبكراً، فيقول عن إسلامه:
لقد أسلمتُ قبل عُمرة القضية (عمرة القضاء)، ولكنني كنتُ أخاف أن أخرج إلى المدينة، لأن أمي كانت تقول لي:
"إن خرجتَ قطعنا عنك القوت"، ويقول: "ولقد دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مكةَ في عمرة القضاء وإنّي لمصدّق به، ثمّ لما دخل عام الفتح أظهرتُ إسلامي فجئته فرحّب بي".
ومنذ أن أعلن إسلامه، صَحِب النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي، وتولّى أمرَ مراسلاته صلى الله عليه وسلم مع العرب. وصار كلّ همه أن يتلقّى العلم والحكمة من الرسول صلي الله عليه و سلم، وغدا لا يأتي إلاّ والقلم معه، ينتظر أن يسمع المنادي ليكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
دخل معاوية رضي الله عنه يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أذُنِه قلم، فقال له عليه الصلاة والسلام: "ما هذا القلم على أُذنك يا معاوية؟
" فقال معاوية: قلمٌ أعددته لله ورسوله
فقال له: "جزاك الله عن نبيّك خيراً، والله ما استكتبتُك إلاّ بوحي من الله، وما أفعلُ من صغيرة ولا كبيرة إلاّ بوحي من الله. كيف بك لو قمّصك الله قميصاً (كناية عن الإمارة)"؟
فكانت أمّ المؤمنين رملة، أختُ معاوية، تستمع إليهم، فسألتْ النبيّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، وإنّ الله مقمّصه قميصاً؟
قال رسول الله صلي الله عليه و سلم : "نعم، ولكن فيه هنات وهنات"
فقالت أم المؤمنين رملة: يا رسول الله فادعُ له. فقال عليه الصلاة و السلام: "اللهم اهده بالهدى، وجنّبه الرّدى، واغفر له في الآخرة والأولى".
وفي مرة أخرى قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أمَا إنَّك ستلي أمر أمتي بعدي، فإذا كان ذلك فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم".
* * *
الولاية
في خلافة أبي بكر، ولاَّهُ الصديقُ قيادةَ جيشٍ أرسله مدداً لأخيه يزيد بن أبي سفيان، وأمَرَه أنْ يَلحق به، فكان غَازياً تحتَ إمْرَة أخيه، وقد قاد جيوش فتح مدن صيدا وجبيل وبيروت.
ثمّ ولاّه عمر ولايةَ الأردن، ولما تُوفّي يزيد في طاعون عمواس وَلاّه عمر بن الخطاب عَمَل يزيد على دمشق وما معها. وفي عهد عثمان جُمعت الشام كلها لمعاوية، فكان ولاة أمرها تحت أمره، وبقيَ والياً عليها حتّى استشهد عثمان بن عفان وبُويع عليٌّ بالمدينة.
رأى معاوية أن قَتَلَةَ عثمان مازالوا يسرحون ويمرحون في المدينة، دون أن يتمكّن سيدنا عليّ رضي الله عنه من اتخاذ موقف حاسم منهم، ولذا رأى أن يمتنع عن البيعة إلى أن تستقرّ الأمور في المدينة، وتتمكّّن الدولة المسلمة من القصاص لدم عثمان رضي الله عنه، وبايعه أهل الشام على ذلك، إلاّ أن سيدنا عليّ رضي الله عن أصرّ على بيعة أهل الشام، وحاربه في صفين، وانتهت الموقعة بينهم بالتحكيم، فلما اجتمع الحكمان، اتفقا على خلع علي ومعاوية من الخلافة، وأن يكون أمر المسلمين شورى بينهم، ينتخبون لهم من يَصْلح لإمامتهم، فبايع أهلُ الشام معاوية بالخلافة، وبايع أهل العراق عليّاً.
وفي عام 41 للهجرة، استشهد سيدنا علي رضي الله، فبويع ابنه الحسن من بعده، فتنازل عنها لسيدنا معاوية رضي الله عنه، وسُمّي ذلك العام بعام الجماعة لاتفاق كلمة المسلمين بعد الفُرقة.
أخلاق الحاكم
خطب معاوية بالناس، فقام رجل يُقال له أبو مسلم يطلب منه أن يُقسّم له من العطاء
فقال له: "يا معاوية، إنّ هذا المال ليس بمالك ولا مال أبيك ولا مال أمك"
فأشار معاوية إلى الناس أن امكثوا
فنزل ثم رجع فقال: "أيُّها الناس، إنّ أبا مسلم ذَكَر أنّ هذا المال ليس بمالي ولا مال أبي ولا مال أمي، وَصَدَق أبو مسلم، إني سمعت رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم يقول: "الغضبُ من الشيطان، والشيطان من النار، والماء يطفيء النار، فإذا غضب أحدكم فلْيَغتسل"، فاغْدُوا على عطائكم على بركة الله عزّ وجلّ .
وخطب يوماً معاوية فقال: "إنّ في بيت مالكم فَضْلاً عن عطائكم، وإني قاسمٌ بينكم ذلك، فإن كان فيه قابلاً فضلٌ قسمته عليكم ، وإلا فلا عَتِيبَة عليّ ، فإنه ليس مالي، وإنّما هو فَيء الله الذي أفاءَ عليكم.
وقد اشتُهر معاوية بالحِلم.
وكان يقول: "لا أضع لساني حيث يكفيني مالي، ولا أضع سَوْطي حيث يكفيني لساني، ولا أضع سيفي حيث يكفيني سَوْطي، فإذا لم أجد من السيف بُدّاً ركبتُهُ".
وكان يقول: "أفضلُ ما أُعطي الرجلُ العقلَ والحِلْمَ، وإذا ذُكّرَ ذَكَرَ، وإذا أُعطيَ شكر، وإذا ابتُليَ صَبَر، وإذا غضِبَ كَظَم، وإذا قَدَرَ غَفَرَ، وإذا أساء اسْتَغْفر، وإذا وَعَدَ أنْجَزَ.
وقال: لا يبلغ الرجلُ مبلغَ الرأي حتى يَغلِبَ حِلْمُهُ جهلَهُ، وصبرُه شهوتَه، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة الحِلْم.
وفاتُه
لمّا حضرت معاويةَ الوفاةُ أوصى أن يُكفّن في قميص كساه إيّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عنده قُلامة أظفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوصى أن تُسحقَ وتُجعل في عينيه وفمه، وقال: "افعلوا بي، وخلّوا بيني وبين أرحم الراحمين".
مات معاوية في رجب سنة ستين للهجرة.
مما قيل في معاوية
سَألَ الزهريُّ سعيدَ بن المسيِّب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "اسمعْ يا زهري، من مات مُحبّاً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وشهد للعشرة بالجنة، وترحّم على معاوية، كان حقيقاً على الله عز وجل أن لا يُناقشَه الحساب".
وسَألَ رجلٌ المعافى بن عمران فقال: "يا أبا مسعود، أين عمر بن عبد العزيز من معاوية؟
فغضب من ذلك غضباً شديداً
وقال: لا يُقاس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدٌ، معاوية صاحبه وصهره، وكاتبه وأمينه على وحي الله عزّ وجلّ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعوا لي أصحابي وأصهاري، فمن سبّهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
وقال إبراهيم بن ميسرة: ما رأيتُ عمرَ بن عبد العزيز رضي الله عنه ضرب إنساناً قط، إلاّ إنساناً شتَمَ معاوية، فإنه ضربه أسواطاً